کتب دکتر مهدی خدامیان آرانی - سایت نابناک

سایت استاد مهدي خداميان آرانی

در حال بارگذاری

    الفصل الثاني: مسلك قدماء أصحابنا

     الفصل الثاني: مسلك قدماء أصحابنا


    أكّد الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) على كتابة الحديث، وأمروا أصحابهم بتدوينه، قال الإمام الصادق(عليه السلام) لمفضّل بن عمر: "اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج، لايأنسون فيه إلاّ بكتبهم".[27]
    وقال(عليه السلام): "اكتبوا، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا" ، وكذلك أمر بحفظ الكتب; قال: "احتفظوا بكتبكم، فإنّكم سوف تحتاجون إليها".[28]
    وفي ضوء تأكيد الإمام الصادق(عليه السلام)، ظهر العصر الذهبي لتدوين كتب الحديث عند الشيعة. وأوّل كتاب أُلّف في هذا المجال هو كتاب عبيد الله بن عليّ الحلبي، وحينما عُرض هذا الكتاب على الإمام الصادق(عليه السلام) قال: "أترى لهؤلاء مثل هذا؟".[29]
    وبدأت حركة التدوين للكتب الحديثية بصورة موسّعة، فقد دوّن كلّ من أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وهشام بن الحكم وهشام بن سالم ومحمّد بن مسلم وحَريز بن عبد الله السِّجِستاني وأبي حمزة الثُّمالي وعاصم بن حميد وعلاء بن رزين وعلي بن رئاب وغيرهم ، كتباً.
    والذي ساعد على كثرة تدوين الكتب عند الشيعة في ذلك الزمان هو الانبساط السياسي الذي حصل في أواخر الخلافة الأُموية ، عند اشتداد الخلافات والمعارضات السياسية وحتّى المسلّحة ضدّها، فتوفّرت فرصة نشر الحديث الشيعي، وكان الهدف الأساس للإمام الصادق(عليه السلام) هو تقوية الكيان العلمي عند الشيعة، فلذلك نجد أنّ أساس المذهب الشيعي بُني في هذا الزمن، وألّفت معظم كتب الحديث الشيعية آنذاك.
    وأمّا أهل السنّة، فقد قاموا بتأليف كتب الحديث بعد مضيّ أكثر من ثلاثين سنة من فترة الازدهار الحديثي الشيعي. ويعدّ مالك بن أنس المتوفّى سنة 179 الهجرية أوّل من دوّن في هذا المضمار حيث ألّف موطأه، ودوّن أحمد بن حنبل المتوفّى سنة 241 الهجرية مسنده، وألّف البخاري المتوفّى سنة 256 الهجرية صحيحه، بينما الشيعة بدأوا بتدوين كتب الحديث وبشكل موسّع قبل تلك التواريخ، ويتضّح ذلك حينما تعرف أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) استشهد سنة 148 الهجرية ، وكان عند الشيعة آنذاك كتباً كثيرة في الحديث.
    ثمّ إنّ أهل السنّة لمّا بدأوا بالفقه التفريعي، اضطرّوا إلى الرأي والقياس; لأنّ كثيراً من الفروع كانت مستحدثة، وهم يعتقدون أنّه ليس لهذه الفروع نصّ من رسول الله(صلى الله عليه وآله); في الوقت الذي كانت الشيعة تعتقد أنّه ما من شيء إلا وجرى فيه الكتاب والسنّة، لذلك يمكن استنباط حكم الفروع من القواعد العامّة المأخوذة من هذين المصدرين، فكانت كتب الشيعة مشحونة بالأحاديث المروية عن أهل البيت(عليهم السلام)، خالية من الرأي والقياس.[30]
    دخل حَريز بن عبد الله السِّجِستاني على أبي حنيفة، فقال له أبو حنيفة: "فما تقول في جمل أُخرج من البحر؟
    قال حَريز: "إن شاء الله فليكن جملاً وإن شاء الله فليكن بقرةً، إن كـانت عليــه فلوس أكلناه وإلاّ فلا".[31]
    فإذا نظرت إلى كلام حَريز بعين الاعتبار، تجد أنّ أصحابنا يعتقدون بأنّه يمكن استنباط الأحكام من الأحاديث الشريفة بلا احتياج إلى الرأي والقياس، ولذلك كانت عنايتهم بالحديث عناية كبيرة.
    فالحاصل أنّ أصحابنا القدماء(رحمهم الله) قاموا بتدوين أحاديث الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)في القرن الهجري الثاني، وكانت الكوفة محوراً في تأليف كتب الحديث، فإنّ الكثير من أصحاب الكتب كانوا من أهل الكوفة.
    ثمّ إنّ الغالب في الحديث الشيعي هو الكتابة، خلاف الحديث السنّي فإنّ الغالب فيه هو الرواية دون الكتابة.
    فأصحابنا في كلّ طبقة نقلوا هذه الكتب، وفي البدء قاموا بتحمّلها عن مؤلّفيها بعد تأليفها، مثلما نرى أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم سافرا إلى الكوفة وتحمّلا كتب الحديث عن المؤلّفين الكبار، مثل ابن أبي عمير والحسين بن سعيد، ثمّ قاما بنشرها في قمّ.
    ولذلك حينما بدأ البحث العلمي بين الأصحاب، كان الكلام يرتكز في مدى حجّية هذه الكتب وصحّة طريقها والوثوق بصحّة النسخة والاعتماد على راوي الكتاب، بينما كان البحث العلمي في التراث السنّي يعتمد على الرواة; لأنّهم قاموا بتأليف الكتب في عهد عمر بن عبد العزيز، وكان تراثهم يعتمد على ذاكرة الأشخاص[32]
    وبالجملة، إنّ قدماء أصحابنا كانوا مصرّين على أن يكون لهم طريق مطمئنّ إلى كتب الحديث، دون الاعتماد على الكتب الواصلة إليهم بالوجادة وهذه الكتب كانت مشهورة بينهم، ولهم طرق متعدّدة إليها، ولكن بعد تصنيف المشايخ الثلاثة المجاميع الحديثية، صارت هذه الكتب الأربعة محور عناية أصحابنا، وضعفت عنايتهم بالمصادر الأوّلية.
    ولتوضيح الموضوع نذكر مثالا لما عملوه في كتاب الحلبي، فنقول:
    إنّ عبيد الله الحلبي قام بتأليف كتابه، وتلقّى أصحابنا كتابه بالقبول، فحمّاد بن عثمان نقل هذا الكتاب عن مؤلّفه، وكان اصطلاح قدمائنا هكذا: "كتاب الحلبي برواية حمّاد"، ومرادهم: "كتاب الحلبي بنسخة حمّاد"، وبعد ذلك قام محمّد بن أبي عُمير وغيره بتحمّل كتاب الحلبي من طريق حمّاد، فنسخة حمّاد لكتاب الحلبي تحمّلها ابن أبي عُمير[33]
    فتبيّن أنّ كتاب الحلبي كان في متناول أيدي أصحابنا، وكلّ طبقة تحمله من شيوخها، فالروايات التي ينتهي سندها إلى عبيد الله بن علي الحلبي مأخوذة من هذا الكتاب.
    وبذلك يتبيّن مراد الشيخ الصدوق ممّا قاله في ديباجة الفقيه:
    "وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب حَريز بن عبد الله السِّجِستاني، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي، وكتب الحسين بن سعيد..."[34]
    وكذلك يظهر وجه الحجّية في كلامه حينما قال: "ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي".[35]
    فإنّ وجه الحجّية في كلامه هو وثوقه بالمصادر الأوّلية; لشهرة هذه المصادر في عصره.
    ويتّضح كلام ابن قولويه في كامل الزيارات، حينما قال:
    "... لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال".[36]
    فإنّ كلامه ليس في توثيق مشايخه ولا توثيق جميع رجال كتابه ، بل كان مراده هو الوثوق بالمصادر ، بمعنى أنّ هذه المصادر كانت مشهورة ومعروفة بحيث حصل له الوثوق بها ، ولذلك نجد أنّه روى في كتاب كامل الزيارات عمّن اشتهر بالكذب، مثل عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ البصري.[37]
    والظاهر أنّ وجه نقل ابن قولويه عن هذا الرجل، هو وجود رواية الأصمّ البصري في كتاب الحسين بن سعيد، ولم يكن اعتماد ابن قولويه على وثاقة الأصمّ البصري، بل كان اعتماده على وجود هذه الرواية في كتاب الحسين بن سعيد.[38]
    فاعتماد الأصحاب في تقييم التراث الحديثي ـ مضافاً إلى وثاقة الراوي ـ كان على ورود الحديث في كتاب مشهور مع صحّة انتساب الكتاب إلى المؤلّف وتحمّل المشايخ له، ووصول الكتاب إليهم بطريق معتبر، ولذلك نجد أنّه ربّما لم يكن الرجل موثّقاً بحسب الاصطلاح، ولكنّ الأصحاب اعتمدوا على كتابه، مثلما نجده في كتاب طلحة بن زيد، فرغم أنّه لم يُذكر له توثيق صريح، لكنّ النجاشي صرّح بأنّ كتابه معتمد.[39]
    وبناءً على ذلك، لايوجد تلازم بين وثاقة المؤلّف والاعتماد على كتابه; لأنّه ربّما يكون اعتماد على الكتاب لوجود شواهد خارجية، كاعتماد الأصحاب على رواية النوفلي لكتاب السكوني، وليس معني ذلك ثبوت الوثاقة المصطلحة للنوفلي، بل المراد الاعتماد على النسخة التي رواها النوفلي من كتاب السكوني.
    وبالجملة فإنّ كلّ ما رواه النوفلي عن السكوني معتبر عند القدماء، بخلاف روايات النوفلي عن غير السكوني.[40]
    وربّما يكون هناك اختلاف بين نسخ الكتب، فلذلك كان اصحابنا القدماء يهتمّون بالنسخ كما يهتمّون بالإسناد، وهذا هو مراد النجاشي عندما يكرّر في كلامه: "له كتاب، تختلف الرواية فيه"، فراجع إلى ترجمة الحسن بن صالح الأحول، إذ قال: "له كتاب تختلف روايته"، وفي ترجمة الحسن بن الجهم بن بكير، قال: "له كتاب تختلف الروايات فيه"، وفي ترجمة الحسين بن علوان الكليب، قال: "وللحسين كتاب تختلف رواياته"[41]
    وكذلك كلام ابن نوح(رحمه الله)، فهو ناظر إلى هذه الجهة، عندما قال: "ولا تحمل رواية على رواية ولا نسخة على نسخة; لئلاّ يقع فيه اختلاف".[42]
    وبما أنّ معرفة النسخة المعتمدة تحتاج إلى خبرة خاصّة مع قدرة علمية ولايمكن ذلك بمجرّد العلم بوثاقة الراوي ، كان أصحابنا يعتمدون على اعتماد المشايخ، فلذلك لم تكن الشيخوخة عندهم مساوقة لمجرّد النقل، بل إنّها تساوق الوثاقة والضبط والدقّة والمتانة العلمية، فلذا نجد أنّ ابن نوح ـ في بيان طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد ـ وصف الحسين البزوفري بالشيخوخة فقط.[43]
    فالمتحصّل، أنّ قدماء أصحابنا في مجال تقييم التراث الحديثي، مضافاً إلى الجانب الرجالي، كانوا يهتمّون بالجانب الفهرستي، ويعتمدون على الخبر إذا كان مذكوراً في كتب مشهورة مع تحمّل المشايخ لها.



نوشته ها در باره این

نظر شما

.شما در حال ارسال نظر براي از كتاب تحقيق فهرست سعد نوشته مهدى خداميان هستید

‌اگر مي خواهيد مطلب ديگري - كه ربطي به اين ندارد- براي من بفرستيداينجا را كليك كنيد.


عنوان این فیلد نمی تواند خالی باشد.
متن نظر شما
لطفا ایمیل خود را وارد کنید * این فیلد نمی تواند خالی باشد.لطفا ایمیل را صحیح وارد نمایید.
لطفا نام خود را وارد نمایید


ابتدای متن