کتب دکتر مهدی خدامیان آرانی - سایت نابناک

سایت استاد مهدي خداميان آرانی

در حال بارگذاری

    صحيحة البَزَنطي الاُولى

     صحيحة البَزَنطي الاُولى


    نذكر فى البداية الرواية، ثمّ نتعرّض لشرح رجال إسنادها، ونذيّله بتحليلنا الفهرستي لها، ونذكر تاريخ الرواية ومصادرها.
    روى الشيخ الصدوق هذه الرواية في الأمالي وفي عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، تارةً عن والده، واُخرى عن طريق ابن الوليد ووالده، جميعًا عن سعد، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن البَزَنطي أنّه قال: سمعت الرضا(عليه السلام) يقول:
    ما زارني أحد من أوليائي عارفًا بحقّي، إلاّ تشفّعت فيه يوم القيامة.[38]
    ذكرها الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين، والعلاّمة المجلسي في بحار الأنوار.[39]
    ولتحقيق هذه الصحيحة لابدّ من إجراء بحثين: رجالي وفهرستي.
    فها هنا خطوتان:
    الخطوة الاُولى: البحث الرجالي
    وقع في هذا الإسناد ستّة رجال، نتعرّض لتوثيق كلّ واحد منهم رجاليًا:
    1 . توثيق الشيخ الصدوق
    ذكره النجاشي في رجاله ، قائلا : "محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمّي : أبو جعفر ، نزيل الري ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمئة، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السنّ ، وله كتب كثيرة ".[40]
    وذكره الشيخ الطوسي في فهرسته ، قائلا : "محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمّي : جليل القدر ، يُكنّى أبا جعفر ، كان جليلا ، حافظًا للأحاديث ، بصيرًا بالرجال ، ناقدًا للأخبار ، لم يُرَ في القمّيّين مثله في حفظه وكثرة علمه ".[41]
    وذكره في رجاله ، قائلا : "محمّد بن علي بن الحسين بن بابَوَيه القمّي : يُكنّى أبا جعفر ، جليل القدر ، حفظة ، بصير بالفقه والأخبار والرجال ".[42]
    وتعرّض العلاّمة في رجاله لترجمته، وكذا ابن داوود في رجاله .[43]
    وذكره الخطيب البغدادي في تاريخه ، قائلا : "محمّد بن علي بن الحسين بن بابَوَيه : أبو جعفر القمّي، نزل بغداد وحدّث بها عن أبيه ، وكان من شيوخ الشيعة ومشهوري الرافضة ، حدّثنا عنه محمّد بن طلحة النعالي[4445]
    وذكره الذهبي ، قائلا : "ابن بابَوَيه : رأس الإماميّة ، أبو جعفر محمّد بن العلاّمة علي بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمّي ، صاحب التصانيف السائرة بين الرافضة ، يُضرب بحفظه المثل ، يُقال : له ثلاثمئة مصنّف ".[46]
    2 . توثيق علي بن الحسين بن بابَوَيه
    ذكره النجاشي قائلاً:
    علي بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمّي: أبو الحسن شيخ القمّيين في عصره ومتقدّمهم وفقيههم وثقتهم، كان قدم العراق واجتمع مع
    أبي القاسم الحسين بن روح(رحمه الله) وسأله مسائل، ثمّ كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر ابن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب(عليه السلام)، ويسأله فيها الولد، فكتب إليه: "قد دعونا الله لك بذلك، وستُرزق ولدين ذكرين خيّرين". فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله من اُمّ ولد. وكان أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول: سمعت أبا جعفر يقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر(عليه السلام)، ويفتخر بذلك . ومات عليّ بن الحسين سنة تسع وعشرين وثلاثمئة، وهي السنة التي تناثرت فيها النجوم. وقال جماعة من أصحابنا: سمعنا أصحابنا يقولون: كنّا عند أبي الحسن علي بن محمّد السُّمري; فقال: رحم الله علي بن الحسين بن بابَوَيه، فقيل له: هو حي، فقال: إنّه مات في يومنا هذا. فكتب اليوم، فجاء الخبر بأنّه مات فيه.[47]
    وذكره الشيخ في فهرسته، قائلاً: "علي بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه رحمة الله عليه، كان فقيهًا جليلاً ثقة ".[48]
    وذكره في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام)، قائلاً: "علي بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمّي: يُكنّى أبا الحسن، ثقة، له تصانيف ذكرناها في الفهرست، روى عنه التلّعُكبري، قال: سمعت منه في السنة التي تهافتت فيها الكواكب، دخل بغداد فيها، وذكر أنّ له منه إجازة بجميع ما يرويه".[49]
    وذكره العلاّمة في خلاصة الأقوال، وابن داوود في رجاله.[50]
    3 . توثيق ابن الوليد القمّي
    ذكره النجاشي في رجاله ، قائلا : "محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد : أبو جعفر ، شيخ القمّيين وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم ، ويقال : إنّه نزيل قمّ وما كان أصله منها ، ثقة ثقة ، عين ، مسكون إليه ".[51]
    وذكره الشيخ في فهرسته ، قائلا : "محمّد بن الحسن بن الوليد القمّي : جليل القدر ، عارف بالرجال ، موثوق به ".[52]
    وذكره في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) ، قائلا :
    محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّي : جليل القدر ، بصير بالفقه ، ثقة ، يروي عن الصفّار وسعد ، وروى عنه التلّعُكبَري ، وذكر أنّه لم يلقه ، لكن وردت عليه إجازته على يد صاحبه جعفر بن الحسين المؤمن بجميع رواياته ، أخبرَنا عنه أبو الحسين بن أبي جِيد بجميع رواياته .[53]
    وذكره العلاّمة في خلاصة الأقوال، وابن داوود في رجاله .[54]
    4 . توثيق سعد بن عبد الله الأشعري
    ذكره النجاشي في رجاله ، قائلا :
    سعد بن عبد الله بن أبي خَلَف الأشعري القمّي : أبو القاسم ، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها ، كان سمع من حديث العامّة شيئًا كثيرًا ، وسافر في طلب الحديث ، لقي من وجوههم الحسن بن عرفة ومحمّد بن عبد الملك الدَّقِيقي وأبا حاتم الرازي وعبّاس الترقفي ، ولقي مولانا أبا محمّد(عليه السلام) ، ورأيت بعض أصحابنا يضعّفون لقاءه لأبي محمّد(عليه السلام)، ويقولون : هذه حكاية موضوعة عليه ، والله أعلم . وكان أبوه عبد الله بن أبي خلف قليل الحديث ، روى عن الحكم بن مسكين ، وروى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى ... توفّي سعد سنة إحدى وثلاثمئة ، وقيل : سنة تسع وتسعين ومئتين .[55]
    وذكره الشيخ في فهرسته ، قائلا : "سعد بن عبد الله القمّي ، يُكنّى أبا القاسم ، جليل القدر ، واسع الأخبار ، كثير التصانيف ، ثقة ".[56]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب العسكري(عليه السلام) ، قائلا : "سعد بن عبد الله القمّي ، عاصره، ولم أعلم أنّه روى عنه ".[57]
    واُخرى فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) ، قائلا : "سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي : جليل القدر ، صاحب التصانيف ، ذكرناها في الفهرست ، روى عنه ابن الوليد وغيره ، روى ابن قُولَوَيه عن أبيه ، عنه ".[58]
    وذكره ابن داوود في رجاله تارةً في القسم الأوّل المختصّ بالممدوحين ومن لم يضعّفهم الأصحاب ، قائلاً : "إنّه مات سنة ثلاثمئة ، وقيل : قبلها بسنة ، وقيل : بعدها بسنة في ولاية رستم ".
    واُخرى في القسم الثاني المختصّ بالمجروحين والمجهولين .[59]
    وقال السيّد التفرشي صاحب نقد الرجال : "وذكره ابن داوود في البابين ، وذِكرُهُ فى باب الضعفاء عجيب ; لأنّه لا ارتيابَ في توثيقه ".[60]
    ولم يخفِ المحقّق المامقاني تعجّبه من ابن داوود حيث عدّه في قسم الضعفاء فقال :
    ومن أغرب الغرائب أنّ ابن داوود عدّه في القسم الثاني المعدّ للضعفاء الذين لا اعتمادَ عليهم ; لكونهم مجروحين ومجهولين ... يا سبحان ! ما دعاه إلى عدّ الرجل في الضعفاء مع أنّه لا خلافَ ولا ريبَ بين أثبات هذا الفنّ في توثيق الرجل وعدالته وجلالته وغزارة علمه ، وإن كان الحامل له على ذلك تضعيف بعض الأصحاب لقاءه بالإمام العسكري(عليه السلام)، كما حكاه النجاشي ، فهو أعجب ، ضرورة أنّ عدم لقائه الإمام العسكري(عليه السلام) وهما في بلدين متباعدين لا يقتضي جرحًا فيه ولا طعنًا .[61]
    وقال السيّد الخوئي في المعجم :
    إنّ ابن داوود ذكر سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي في كلا القسمين ، وهذا ممّا لم نعرف له وجهًا ; فإنّ سعد بن عبد الله ممّن لا كلامَ ولا إشكالَ في وثاقته ، ومن الغريب احتمال بعضهم أنّ ذلك لتضعيف بعض الأصحاب على ما ذكره النجاشي لقاءه الإمام العسكري(عليه السلام) ، ووجه الغرابة أنّ هذا لا يكون قدحًا في سعد ، وإنّما هو تكذيب لمن يدّعي أنّ سعدًا لقي أبا محمّد(عليه السلام) ، نعم لو ثبت جزمًا أنّ سعدًا ادّعى ذلك كان هذا تكذيبًا لسعد ، لكنّه لم يثبت .[62]
    أمّا حديث لقاء سعد بن عبد الله مع الإمام العسكري(عليه السلام) ، فقد تعرّض له النجاشي قائلا : "ورأيت بعض أصحابنا يضعّفون لقاءه لأبي محمّد(عليه السلام)، ويقولون : هذه الحكاية موضوعة عليه ، والله أعلم ".
    وذكرنا أنّ الشيخ الطوسي عدّه في رجاله من أصحاب العسكري(عليه السلام) ، قائلاً :"عاصره ولم أعلم أنّه روى عنه(عليه السلام) ".[63]
    ولو كان الخبر صحيحًا لم يقل مثل شيخ الطائفة في رجاله عند ترجمة سعد : "عاصر الإمام العسكري(عليه السلام)، ولم أعلم أنّه روى عنه" .
    كما أنّ المستفاد من تعبير النجاشي "يضعّفون" ، أنّ القائلين بوضع الخبر جمعٌ لا نفر . نعم ، ذهب العلاّمة إلى صحّة لقاء سعد للإمام العسكري(عليه السلام) .[64]
    ولا بأس بذكر بعض ما جاء في الخبر الذي ذُكر فيه لقاء سعد للإمام العسكري(عليه السلام) :
    روى الصدوق عن محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني ، قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي ، قال : حدّثنا أحمد بن طاهر القمّي ، قال : حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيباني ، قال : حدّثنا أحمد بن مسرور ، عن سعد بن عبد الله القمّي، قال :
    اتّخذت طومارًا وأثبتّ فيه نيّفًا وأربعين مسألة من صعاب المسائل ، لم أجد لها مجيبًا ، على أن أسأل عنها خبير بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد ، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدًا نحو مولانا بسرّ من رأى ، فلحقتُه في بعض المنازل . فوردنا سرّ من رأى ، فانتهينا إلى باب سيّدنا فاستأذنّا ، فخرج علينا بالإذن بالدخول عليه . فما شبّهتُ وجه مولانا أبي محمّد(عليه السلام) حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر قد استوفي لياليه أربعًا بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلامٌ يناسب المشتري في الخلقة والمنظر .
    وبين يدي مولانا رُمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها ، وبيده قلم إذا أراد أن يَسطُر به على البياض شيئًا قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها كيلا يصدّه عن كتابة ما أراد . فسلّمنا عليه فألطف في الجواب ، وأومأ إلينا بالجلوس .
    فلمّا انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ ، حُمّ أحمد بن إسحاق وثارت به علّة صعبة أيس من حياته فيها ، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات، قال أحمد بن إسحاق : تفرّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي . فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلى مرقده .
    فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ، ففتحتُ عيني فإذا أنا بكافور الخادم ، خادم مولانا أبي محمّد(عليه السلام) وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيّتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه ، فإنّه من أكرمكم محلاًّ عند سيّدكم .[65]
    ثمّ إنّ المحقّق التستري قال في ذيل هذه الرواية: "ويوضح وضعه اشتماله على وفاة أحمد بن إسحاق بعد منصرفه من عند العسكري، وبعثه بطريق المعجزة كافور الخادم من سرّ من رأى إلى حلوان عند سعد لتجهيز أحمد ، مع أنّ بقاء أحمد بن إسحاق بعد الإمام العسكري(عليه السلام) مقطوع ".[66]
    ثمّ إنّ الرواية ضعيفة الإسناد، وليس لنا طريق إلى توثيق رواة هذا الخبر ، ولقد قال السيّد الخوئي بعد حكمه بتضعيف هذا الخبر : "وإنّ هذه الرواية قد اشتملت على أمرين لايمكن تصديقهما : أحدهما صدّ الحجّة(عليه السلام) أباه من الكتابة ، والإمام(عليه السلام)كان يشغله بردّ الرمّانة الذهبية! إذ يقبح صدور ذلك من الصبي المميّز، فكيف ممّن هو عالم بالغيب وبجواب المسائل الصعبة؟ الثاني : حكايتها عن موت أحمد بن إسحاق في زمان الإمام العسكري(عليه السلام) ، مع أنّه عاش إلى ما بعد العسكري(عليه السلام) ".[67]
    وعلى فرض صحّة الحديث وثبوت لقاء سعد مع الإمام العسكري(عليه السلام)، فليس في هذا الحديث ذكر لرواية سعد عن الإمام العسكري(عليه السلام) كما هو واضح فيه ، فلا يكون على كلّ حال ممّن روى عن العسكري(عليه السلام) ، وهذا المورد ليس من موارد النقض بعد تصريح الشيخ بعدم علمه بروايته عن الإمام(عليه السلام) .
    5 . توثيق محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب
    ذكره النجاشي في رجاله، قائلاً:
    محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : أبو جعفر ، الزيّات ، الهمداني ، واسم أبي الخطّاب زيد ، جليل ، من أصحابنا ، عظيم القدر ، كثير الرواية ، ثقة ، عين ، حسن التصانيف ، مسكون إلى روايته... ومات محمّد بن الحسين سنة اثنتين وستّين ومئتين .[68]
    وذكره الشيخ في فهرسته، قائلاً: "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : كوفىّ ، ثقة ، له كتاب اللؤلؤة ، وكتاب النوادر ، أخبرَنا بهما ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عنه ".[69]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الجواد(عليه السلام)، قائلا : "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : كوفىّ ، ثقة".
    واُخرى في أصحاب الهادي(عليه السلام)، قائلا : "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزيّات ، الكوفي : ثقة ، من أصحاب أبي جعفر الثاني(عليه السلام)".
    وثالثةً في أصحاب العسكري(عليه السلام)، قائلا : "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : كوفىّ ، زيّات ".[70]
    6 . توثيق أحمد بن محمّد البَزَنطي
    عدّه الكشّي ممّن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وروى أيضًا مدحه.[71]
    وذكره البرقي في رجاله في أصحاب الرضا(عليه السلام) مرّتين ، تارةً فيمن أدرك الكاظم(عليه السلام) بعنوان : "أحمد بن محمّد بن أبي نصر"، وقال : "ولقبه البَزَنطي" ، واُخرى فيمن نشأ في عصر الرضا(عليه السلام) بنفس العنوان .[72]
    وذكره النجاشي في رجاله، قائلاً:
    أحمد بن محمّد بن عمرو بن أبي نصر زيد ، مولى السكون ، أبو جعفر ، المعروف بالبَزَنطي ، كوفىّ ، لقي الرضا وأبا جعفر(عليهما السلام) ، وكان عظيم المنزلة عندهما ، وله كتب ... ومات أحمد بن محمّد سنة إحدى وعشرين ومئتين بعد وفاة الحسن بن علي بن فضّال بثمانية أشهر ، ذكر محمّد بن عيسى بن عُبَيد أنّه سمع منه سنة عشرة ومئتين .[73]
    وذكره الشيخ في فهرسته، قائلاً: "أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، زيد ، مولى السَّكُوني ، أبو جعفر ، وقيل : أبو علي ، المعروف بالبَزَنطي ، كوفىّ ، ثقة ، لقي الرضا(عليه السلام)، وكان عظيم المنزلة عنده، وروى عنه كتابًا ".[74]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام)، قائلا : "أحمد بن محمّد بن أبي نصر البَزَنطي : مولى السَّكُوني، ثقة ، جليل القدر ".
    واُخرى في أصحاب الرضا(عليه السلام)، قائلا : "أحمد بن محمّد بن أبي نصر البَزَنطي : ثقة ، مولى السَّكُوني، له كتاب الجامع ، روى عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) ".
    وثالثةً في أصحاب الجواد(عليه السلام)، قائلا : "أحمد بن محمّد بن أبي نصر البَزَنطي : من أصحاب الرضا(عليه السلام) ".[75]
    فتحصّل من جميع ما ذكرنا من كلمات القوم أنّ رجال هذا الإسناد كلّهم من الثقات الأجلاّء، وعلى هذا فالحديث صحيح أعلائي.
    بيان ذلك: إذا كان كلّ واحد من رواة الحديث في كلّ مرتبة معلوم الإمامية والعدالة والضبط، يعبّر عنه بالصحيح الأعلى.[76]
    الخطوة الثانية: البحث الفهرستي
    نعتقد أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ مضافًا إلى توثيق الراوي ـ كان على المنهج الفهرستي، وأنّهم يعتمدون على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة التي تحمّلها المشايخ.
    وقبل الدخول في البحث في هذه الجهة لا بدّ لنا من تمهيد مقال في المقام ، فنقول:
    بيان منهج قدماء أصحابنا
    إنّ الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) أكّدوا على كتابة الحديث وأمروا أصحابهم بتدوينه، قال الإمام الصادق(عليه السلام) للمفضّل بن عمر: "اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك; فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم".[77]
    وقال(عليه السلام): "اكتبوا، فإنّكم لاتحفظون حتّى تكتبوا ".
    وكذلك أمر بحفظ الكتب، حيث قال: "احتفظوا بكتبكم; فإنّكم سوف تحتاجون إليها".[78]
    وعلى ضوء تأكيد الإمام الصادق(عليه السلام)، ظهر العصر الذهبي لتدوين كتب الحديث عند الشيعة، وأوّل كتاب اُلّف في هذا المجال هو كتاب عبيد الله بن عليّ الحلبي، وحينما عُرض على الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: "أترى لهؤلاء مثل هذا؟".[79]
    فبدأت حركة التدوين لكتب الحديث بصورة واسعة، حيث كتب أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وهشام بن الحكم وهشام بن سالم ومحمّد بن مسلم وحَريز بن عبد الله السِّجِستاني وأبي حمزة الثُّمالي وعاصم بن حميد وعلاء بن رَزِين وعلي بن رِئاب، وغيرهم.
    والذي ساعد على كثرة تدوين الكتب عند الشيعة في هذا الزمان هو الانبساط السياسي الذي حصل في أواخر الخلافة الاُموية ، عند اشتداد الخلافات والمعارضات السياسية وحتّى المسلّحة ضدّ الدولة الاُموية، فحصلت فرصة نشر الحديث الشيعي، كما أنّ الهدف الأساس للإمام الصادق(عليه السلام) هو تقوية الكيان العلمي عند الشيعة، فلذلك نحن نجد أنّ أساس المعارف الشيعية بُنيت في هذا الزمن، واُلّفت معظم كتب الحديث الشيعية آنذاك.
    وأمّا أهل السنّة، فقد قاموا بتأليف كتب الحديث بعد مضيّ أكثر من ثلاثين سنة من فترة الازدهار الحديثي الشيعي ، ويعتبر مالك بن أنس المتوفّى سنة ( 179 هـ ) أوّل من دوّن في هذا المضمار، حيث ألّف موطّأه، ودوّن أحمد بن حنبل المتوفّى سنة ( 241 هـ ) مسنده، وألّف البخاري المتوفّى سنة ( 256 هـ ) صحيحه، بينما الشيعة بدأوا بتدوين كتب الحديث وبشكل وسيع قبل تلك التواريخ، ويتوضّح لك ذلك حينما تعرف أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) استشهد سنة ( 148 هـ ) ، وكان عند الشيعة كتبًا كثيرة في الحديث.
    فأصحابنا القدماء(رحمهم الله) قاموا بتدوين أحاديث الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) في القرن الثاني، وكانت الكوفة محورًا في تأليف كتب الحديث، فإنّ الكثير من أصحاب الكتب كانوا من أهل الكوفة.
    ثمّ إنّ الغالب في الحديث الشيعي هو الكتابة، خلاف الحديث السنّي فإنّ الغالب فيه هو الرواية دون الكتابة. فأصحابنا في كلّ طبقة نقلوا هذه الكتب، وفي البدء قاموا بتحمّلها عن مؤلّفيها بعد تأليفها، مثلما نرى أنّ أحمد بن محمّد بن عبسي وإبراهيم بن هاشم سافرا إلى الكوفة وتحمّلا كتب الحديث عن المؤلّفين الكبار، مثل ابن أبي عُمير والحسين بن سعيد، ثمّ قاما بنشرها في قمّ.
    ولذلك حينما بدأ البحث العلمي بين الأصحاب، كان الكلام يرتكز في مدى حجّية هذه الكتب وصحّة طريقها والوثوق بصحّة النسخة والاعتماد على راوي الكتاب، بينما كان البحث العلمي في التراث السنّي يعتمد على الرواة; لأنّهم قاموا بتأليف الكتب في عهد عمر بن عبد العزيز، وكان تراثهم يعتمد على ذاكرة الأشخاص.[80]
    هذا ولكنّ المباحث الحديثية عند أصحابنا كانت على محورية الكتب وتقييم نسخها وطرقها.
    وبالجملة، أنّ قدماء أصحابنا كانوا مصرّين على أن يكون لهم طريق مطمئنّ إلى الكتب الحديثية، ولا يعتمدون على الكتب التي وصلت إليهم بالوجادة. فهذه الكتب كانت مشهورة بين الأصحاب ولهم طرق متعدّدة إليها، ولكن بعد قيام المشايخ الثلاثة بتأليف الكتب الأربعة، اعتنى أصحابنا بالكتب الأربعة أكثر ولم يهتمّوا بتلك المصادر الأوّلية حقّ الاهتمام.
    ولتوضيح المطلب نذكر مثال عمل القدماء في كتاب الحلبي، فنقول:
    إنّ عبيد الله الحلبي قام بتأليف كتابه، وتلقّى أصحابنا كتابه بالقبول، فحمّاد بن عثمان نقل هذا الكتاب عن الحلبي، وكان اصطلاح قدمائنا هكذا: "كتاب الحلبي برواية حمّاد"، ومرادهم: "كتاب الحلبي بنسخة حمّاد"، وبعد ذلك قام محمّد بن أبي عُمير وغيره بتحمّل كتاب الحلبي من طريق حمّاد، فنسخة حمّاد لكتاب الحلبي تحمّلها ابن أبي عُمير[81]
    فتبيّن أنّ كتاب الحلبي كان في متناول أصحابنا، وكلّ طبقة تحملها من شيوخه، فالروايات التي تنتهي إسنادها إلى عبيد الله بن علي الحلبي مأخوذة من هذا الكتاب.
    وبذلك يتبيّن مراد الشيخ الصدوق حين قال في ديباجة الفقيه: "وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المُعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب حَريز بن
    عبد الله السِّجِستاني، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي، وكتب الحسين بن سعيد ".[82]
    وكذلك يظهر وجه الحجّية في كلامه بقوله: "ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي".[83]
    فإنّ وجه الحجّية في كلامه هو وثوقه بالمصادر الأوّلية; لشهرة هذه المصادر في عصره.
    ويتّضح كلام ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات، حيث قال: "لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولاأخرجت فيه حديثًا روي عن الشذاذ من الرجال".[84]
    فإنّ كلامه ليس في توثيق مشايخه ولا توثيق جميع رجال الكتاب ، بل كان مراده هو الوثوق بالمصادر ، بمعنى أنّ هذه المصادر كانت مشهورة ومعروفة بحيث حصل له الوثوق بها ، ولذلك نجد أنّه روى في كتاب كامل الزيارات عمّن اشتهر بالكذب، مثل عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ البصري.[85]
    الظاهر أنّ وجه نقل ابن قُولَوَيه عن هذا الرجل هو وجود رواية الأصمّ البصري في كتاب الحسين بن سعيد، لم يكن اعتماد ابن قُولَوَيه على وثاقة الأصمّ البصري، بل كان اعتماده على وجود هذه الرواية في كتاب حسين بن سعيد.[86]
    فاعتماد الأصحاب في تقييم التراث الحديثي ـ مضافًا إلى توثيق الراوي ـ كان على ورود الحديث في كتاب مشهور مع صحّة انتساب الكتاب إلى المؤلّف وتحمّل المشايخ له، ووصول الكتاب إليهم بطريق معتبر، ولذلك نجد أنّه ربّما لم يكن الرجل موثّقًا بحسب الاصطلاح، ولكنّ الأصحاب اعتمدوا على كتابه، مثلما نجده في كتاب طلحة بن زيد، مع أنّه لم يُذكر له توثيق صريح، ولكنّ النجاشي صرّح بأنّ كتابه معتمد.[87]
    ليس هناك تلازم بين توثيق المؤلّف والاعتماد على كتابه; لأنّه ربّما يكون الاعتماد بالكتاب لوجود شواهد خارجية، كما أنّ الأصحاب اعتمدوا على نسخة النوفلي لكتاب السَّكُوني، وليس معنى ذلك ثبوت التوثيق المصطلحة للنوفلي، بل المراد الاعتماد على النسخة التي رواها النوفلي من كتاب السَّكُوني.
    وبالجملة، أنّ كلّ ما رواه النوفلي عن السَّكُوني معتبر عند القدماء، بخلاف روايات النوفلي عن غير السَّكُوني.[88]
    وربما يكون هناك اختلاف بين نسخ الكتب، فلذلك كانوا يهتمّون بالنسخ كما يهتمّون بالإسناد، وهذا هو مراد النجاشي، حيث يكرّر في كلامه: "له كتاب، تختلف الرواية فيه"، فراجع ترجمة الحسن بن صالح الأحول، حيث قال: "له كتاب تختلف روايته"، وفي ترجمة الحسن بن الجهم بن بكير، قال: "له كتاب تختلف الروايات فيه"، وفي ترجمة الحسين بن علوان الكُلَيب، قال: "وللحسين كتاب تختلف رواياته"[89]
    وكذلك كلام ابن نوح ناظر إلى هذه الجهة، حيث قال: "ولاتحمل رواية على رواية ولا نسخة على نسخة; لئلاّ يقع فيه اختلاف".[90]
    وبما أنّ معرفة النسخة المعتمدة تحتاج إلى خبرة خاصّة مع قدرة علمية ـ ولا يمكن ذلك بمجرّد العلم بتوثيق الراوي ـ فأصحابنا كانوا يعتمدون على اعتماد المشايخ، فلذلك لم تكن الشيخوخة عندهم مساوقة لمجرّد النقل، بل إنّها تساوق التوثيق والضبط والدقّة والمتانة العلمية، فلذا نجد أنّ ابن نوح ـ في بيان طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد ـ وصف الحسين البَزَوفَري بالشيخوخة فقط.[91]
    فالمتحصّل أنّ قدماء أصحابنا في مجال تقييم التراث الحديثي، مضافًا إلى الجانب الرجالي، كانوا يهتمّون بالجانب الفهرستي، ويعتمدون على الخبر إذا كان مذكورًا في كتب مشهورة مع تحمّل المشايخ لها.
    والحاصل، أنّ الشيعة بحثوا عن زاوية اُخرى لتقييم الحديث، وهو الجانب الفهرستي، مع أنّهم يهتمّون بالجانب الرجالي أيضًا.
    هذا تمام الكلام في منهج قدماء أصحابنا في تقييم الحديث.
    إذا عرفت هذا فنقول: إنّ رواية البَزَنطي التي ذكر فيها فضل زيارة الإمام الرضا(عليه السلام)إنّما ذُكرت في كتاب الجامع للبَزَنطي وكتاب المزار لسعد بن عبد الله الأشعري، وهما من الكتب المعتمدة عند أصحابنا.
    وإليك تفصيل الكلام: إذا راجعنا رجال النجاشي نجد أنّه ذكر من جملة كتب أحمد بن أبي نصر البَزَنطي كتاب الجامع، كما أنّ الشيخ والنجاشي رويا هذا الكتاب بإسنادهما عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن البَزَنطي[92]
    وكيف كان، فإنّ البَزَنطي سمع الإمام الرضا(عليه السلام) فذكر هذا الحديث في كتابه الجامع، وبعد ذلك قام محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب بتحمّل هذا الكتاب وسماعها من مؤلّفه.
    ففي الواقع كان عند محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب نسخة من كتاب الجامع للبَزَنطي.
    فالرواية إلى هنا كانت في مدرسة الكوفة الحديثية، كما أنّ المصدر الأوّلي لها هو كتاب الجامع للبَزَنطي، ولمّا وصل الأمر إلى سعد بن عبد الله سافر لطلب الحديث إلى الكوفة، ونقل التراث الكوفي الحديثي إلى قمّ.[93]
    وبما أنّ كتاب البَزَنطي كان عند سعد ، لذا أخذ سعد هذه الرواية من كتاب البَزَنطي وأدرجها في مزاره.
    بيان ذلك: إنّ النجاشي ذكر في عداد كتب سعد بن عبد الله الأشعري كتاب المزار، وروى هذا الكتاب من طريق الشيخ المفيد وغيره، عن جعفر بن محمّد بن قُولَوَيه، عن أبيه وأخيه، عن سعد.[94]
    كما أنّ الشيخ الطوسي روى هذا الكتاب من طريق الشيخ الصدوق عن ابن الوليد، عن سعد بن عبد الله، وهو نفس الطريق الموجود في إسناد الرواية.
    وكيف كان، فسعد بن عبد الله ذكر هذه الرواية في كتابه المزار، وبعد ذلك قام ابن الوليد بتحمّل هذا الكتاب وسماعها من مؤلّفه. ففي الواقع أنّه كان عند ابن الوليد نسخة من كتاب المزار لسعد بن عبد الله، ثمّ تحمّل الشيخ الصدوق كتاب المزار لسعد من اُستاذه ابن الوليد.
    والحاصل، أنّ كتاب المزار لسعد كان عند الشيخ الصدوق، وأنّه قام بإخراج الحديث منه.
    فالمصدر الأوّل لهذه الرواية هو كتاب الجامع للبَزَنطي، كما أنّ المصدر الثاني هو كتاب المزار لسعد بن عبد الله الأشعري.
    وأنت تعرف أنّ كتاب المزار لسعد صار مقبولا عند أصحابنا، وقامت مدرسة قمّ بنشره، وقام ابن الوليد برواية هذا الكتاب.
    فتبيّن أنّ صحيحة البَزَنطي من أصحّ ما عندنا من الروايات رجاليًا وفهرستيًا، فرجال الرواية كلّهم من الأجلاّء، كما أنّ المصدرين الذين ذُكرت فيهما (نوادر البَزَنطي ومزار سعد)، كانا في غاية الإعتبار.
    هذا تمام الكلام في البحث الرجالي والفهرستي.
    وها هنا تنبيهان:
    التنبيه الأوّل
    إنّ الشفاعة في منطق القرآن الكريم على قسمين:
    القسم الأوّل: الشفاعة من دون الله تعالى، وهي التي نفاها الله سبحانه وتعالى عن غيره بقوله : (لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ).[95]
    والشفاعة المطلقة تتوقّف على السلطة على إنفاذ حاجة المستشفع، وإلزام المشفوع إليه بقضائها حتّى مع عدم رضاه، والشفاعة بهذا المعنى لا تكون لغير الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (قُلْ لِّلَّهِ الشَّفَـعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَـوَ تِ وَ الاَْرْضِ )[96]
    والاعتقاد بشفاعة أحد عند الله سبحانه وتعالى بهذا المعنى شرك، وهي التي عبد الوثنيون الأصنام من أجلها.
    القسم الثاني: الشفاعة بإذن الله تعالى، والشفاعة بهذا المعنى استثناها الله في القرآن الكريم من نفي الشفاعة، وأثبتها لمن يشاء من عباده، فقال تعالى : (مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )[9798]
    وقال الله تعالى: (وَ لاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى )[99]
    ومن الشفاعة: الاستغفار لغيره، وقد أذن الله لنبيّه(صلى الله عليه وآله) في الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، فقال تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الاَْمْرِ )[100101102]
    وقد وعد الله المغفرة لمن استغفر الله واستشفع برسول الله(صلى الله عليه وآله) في طلب المغفرة له، فقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّـلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا )[103]
    وقد أخبر سبحانه عن استغفار الملائكة للمؤمنين، فقال: (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَ عِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ )[104]
    وأخبر أيضًا عن دعاء نوح(عليه السلام) وطلبه المغفرة للمؤمنين، حيث قال : (رَّبِّ اغْفِرْ لِى وَ لِوَ لِدَىَّ وَ لِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَـتِ )[105]
    وعن دعاء إبراهيم(عليه السلام) وطلبه المغفرة للمؤمنين، حيث قال : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَ لِوَ لِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )[106]
    وكما هو واضح من نصوص الروايات المنقولة من الطرفين أنّ زيارة القبر توجب الشفاعة .
    عن الدارقطني بالإسناد إلى ابن عمر، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "من زار قبري وجبت له شفاعتي".[107]
    ورواه الذهبى بنصٍّ آخر: "من زارني بعد موتى وجبت له شفاعتي".[108]
    وصرّحت الكثير من الأخبار بأنّ زيارة قبور الأئمّة سبب نيل شفاعتهم.[109]
    وكيف كان، فصحيحة البَزَنطي تصرّح أنّ الإمام الرضا(عليه السلام) يقوم يوم القيامة للشفاعة لزوّاره من أوليائه.
    التنبيه الثاني
    هناك روايتان وردت في فضل زيارة الإمام الرضا(عليه السلام)، ومضمونهما قريب من صحيحة البَزَنطي، ونحن نوردهما:
    الرواية الاُولى: روى الشيخ الصدوق عن الطالقاني، عن ابن عقدة، عن علي بن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبيه، قال: سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: "إنّي مقتول ومسموم ومدفون بأرض غربة، أعلمُ ذلك بعهد عهده إليَّ أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، ألا فمن زارني في غربتي كنت أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاءه نجى ولو كان عليه مثل وزر الثقلين".[110]
    فذكر في إسناد هذه الرواية هؤلاء الرجال:
    1 ـ محمّد بن إبراهيم بن إسحاق المُكَتِّب الطالقاني : ليس له توثيق صريح، وذهب جماعة إلى توثيقه ; لأنّه من مشايخ الإجازة.[111]
    2 ـ أحمد بن محمّد بن سعيد المشهور بابن عقدة: ذكره النجاشي في رجاله، قائلاً: "أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن بن زياد بن عبد الله بن زياد بن عَجلان، مولى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس السبيعي الهمداني: هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ والحكايات، تختلف عنه في الحفظ وعظمه، وكان كوفيًا زيديًا جاروديًا على ذلك حتّى مات، وذكره أصحابنا ; لاختلاطه بهم ومداخلته إيّاهم وعظم محلّه وثقته وأمانته ".[112]
    وذكره الشيخ في فهرسته، قائلاً: "أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن... المعروف بابن عقدة الحافظ، وأمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يُذكر، وكان زيديًا جاروديًا، وعلى ذلك مات ".[113]
    وذكره في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام)، قائلاً: "أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله بن عَجلان مولى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني السبيعي الكوفي المعروف بابن عقدة، يُكنّى أبا العبّاس، جليل القدر، عظيم المنزلة ".[114]
    3 ـ علي بن الحسن بن علي بن فضّال: ذكره النجاشي قائلاً: "علي بن الحسن بن علي بن فضّال بن عمر بن أيمن مولى عِكرِمة بن ربعي الفيّاض: أبو الحسن، كان
    فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم وثقتهم، وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئًا كثيرًا، ولم يُعثر له على زلّة فيه، ولا ما يشينه، وقلّما روى عن ضعيف، وكان فطحيًا ".[115]
    وذكره الشيخ في فهرسته، قائلاً: "علي بن الحسن بن فضّال : فطحىّ المذهب ، ثقة ، كوفىّ ، كثير العلم ، واسع الرواية والأخبار ، جيّد التصانيف ، غير معاند ، وكان قريب الأمر إلى أصحابنا الإماميّة القائلين بالإثني عشر ".[116]
    4 ـ الحسن بن علي بن فضّال: عدّه الكشّي في رجاله ممّن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم[117118]
    وذكره في رجاله في أصحاب الرضا(عليه السلام)، قائلا : "الحسن بن علي بن فضّال : مولىً لتيم الرباب ، كوفيّ ، ثقة ".[119]
    وذكره النجاشي في رجاله بعنوان : "الحسن بن علي بن فضّال"، وذكر فضله، ومَدَحه مدحًا عظيمًا.[120]
    والحاصل، إذا قلنا بتوثيق محمّد بن إبراهيم الطالقاني، فالرواية موثقة.
    وسيأتي منّا بحث فهرستي حول هذا الإسناد فيما بعد، فانتظر حتّى حين.[121]
    ثمّ إنّه ذكر في هذه الرواية ـ مضافًا إلى أنّ الإمام الرضا(عليه السلام) يشفع لزائري قبره ـ يقوم رسول الله(صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومون(عليهم السلام) بالشفاعة لزائري قبر الإمام الرضا(عليه السلام). فبعد ثبوت شفاعة الإمام الرضا(عليه السلام) للزائرين، فلايبعد شفاعة رسول الله(صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام) ; لأنّهم كلّهم نور واحد.
    أمّا ذيل هذه الرواية التي ذُكر فيها غفران ذنوب الزائر، فيشهد عليه صحيحة الحسن الوشّاء التي نذكرها فيما بعد.
    الرواية الثانية: روى الشيخ الصدوق في الخصال عن محمّد بن موسى المتوكّل، عن محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي، عن أحمد بن محمّد بن صالح، عن حمدان الديواني، عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال: "مَن زارني على بعد داري، أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن; حتّى أخلّصه من أهوالها إذا تطايرت الكتب يمينًا وشمالاً، عند الصراط وعند الميزان".
    أمّا الكلام عن رجال الحديث، فنقول:
    1 ـ محمّد بن موسى المتوكّل: ذكره ابن داوود في رجاله ووثّقه.[122]
    2 ـ محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي: ذكره النجاشي في رجاله، قائلاً: "محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي أبو الحسين الكوفي، ساكن الري ، يقال له محمّد بن أبي عبد الله، كان ثقة، صحيح الحديث، إلاّ أنّه روى عن الضعفاء".[123]
    وذكره الشيخ في فهرسته، وذكر في رجاله أنّه كان أحد الأبواب.[124]
    3 ـ أحمد بن محمّد بن صالح: لم يتعرّض له الرجاليون في كتبهم، فهو مجهول، وليس له رواية في الكتب الأربعة.
    4 ـ حمدان الديواني: لم يتعرّض له الرجاليون في كتبهم، فهو مجهول، وليس له رواية في الكتب الأربعة.
    ولكن تُعضد رواية حمدان الديواني بصحيحة البَزَنطي التي صرّح فيها بشفاعة الإمام الرضا(عليه السلام) لزوّار قبره.
    فأصل الشفاعة يوم القيامة للزائرين ثابتة بصحيحة البَزَنطي، ومن المعلوم أنّ الشفاعة في مواطن متعدّدة، أبرزها المقامات الثلاثة التي اُشير إليها في هذه الرواية ، وهي: عند تطاير الكتب، وعند الميزان، وعند الصراط.
    وإنّي أعتقد أنّ الإمام الرضا(عليه السلام) يشير بكلامه إلى حديث عائشة الذي رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن يحيى بن إسحاق[125126127128]
    يا عائشة، أمّا عند ثلاث فلا ; أمّا عند الميزان حتّى يثقل أو يخف فلا، وأمّا عند تطاير الكتب ، فإمّا أن يُعطى بيمينه أو يُعطى بشماله فلا، وحين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم ويتغيّظ عليهم ويقول ذلك العنق : وُكّلت بثلاثة، وُكّلت بمن ادّعى مع الله إلهًا آخر، ووُكّلت بمن لايؤمن بيوم الحساب، ووُكّلت بكلّ جبّار عنيد . قال : فينطوي عليهم ويرمي بهم في غمرات جهنّم، ولجهنّم جسر أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف، عليه كلاليب وحَسَكٌ[129130131]
    يشير الإمام الرضا(عليه السلام) في كلامه إلى نفس المواقف الثلاثة التي تكلّم فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حديث عائشة، حيث أشار رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى موقف الميزان أوّلاً، وإلى موقف تطاير الكتب ثانيًا، وموقف الصراط ثالثًا، ويصرّح بأنّه يخرج عنق من النار.
    فالمستفاد من كلام رسول الله أنّ أشدّ مواقف يوم القيامة هو هذه المواقف الثلاثة التي ينسى كلّ حبيب حبيبه.
    نعم، كلّ حبيب ينسى حبيبه، ولكنّ الإمام الرضا(عليه السلام) يريد أن يبيّن لشيعته أنّه لا ينسى مَن زاره يوم القيامة في أشدّ المواقف، فهو ليس حبيب وحسب ، بل هو بمثابة الوالد الرحيم ، والوالد لا ينسى ولده في الشدائد .



نوشته ها در باره این

نظر شما

.شما در حال ارسال نظر براي از كتاب الصحيح فى فضل الزيارة الرضوية نوشته مهدى خداميان هستید

‌اگر مي خواهيد مطلب ديگري - كه ربطي به اين ندارد- براي من بفرستيداينجا را كليك كنيد.


عنوان این فیلد نمی تواند خالی باشد.
متن نظر شما
لطفا ایمیل خود را وارد کنید * این فیلد نمی تواند خالی باشد.لطفا ایمیل را صحیح وارد نمایید.
لطفا نام خود را وارد نمایید


ابتدای متن