يصل النبيّ المدينة ، يحلّ شهر الله شهر رمضان ، وكان النبيّ يعتكف كلّ سنة في العشرة الأواخر من هذا الشهر الفضيل ، ولكنّه هذا العام اعتكف العشرة الثانية والثالثة .
لم يكن النبيّ قد أوضح تعاليم الحجّ لأصحابه بعد ، ولذا صمّم على السفر إلى مكّة وأداء الحجّ الإبراهيمي .
يقرّر النبيّ في هذا السفر إزالة قوانين الحجّ التي سنّها المشركون فجعلوها من أفعال الحجّ ، وتعليمَ الجميع الحجّ الحقيقي .
يلتفت النبيّ في أحد الأيّام إلى المسلمين قائلاً : لا أدري، لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا
[14] نعم ، كانت تلوح من كلمات النبيّ إشارات الرحيل .
الآن قد اكتملت كلّ أحكام الإسلام; الصلاة، الحجّ، الزكاة ، ولم تبق سوى الإمامة .
وفي طريق الرجوع من مكّة ، في غدير خمّ ، يجمع النبيّ جميع الحجيج، وكانوا أكثر من مئة ألف ينتظرون سماع خطاب النبيّ وهم على أحرّ من الجمر لمعرفة سرّ هذا التوقّف، فيخاطبهم قائلاً : أيّها الناس ، ما أسرعَ ما سأُفارقكم والرحيل عن هذه الدنيا الفانية .
ترتفع أصوات المسلمين بالبكاء .
يستدعي النبيّ عليّاً إلى جانبه ، يرفع ذراعه عالياً ويقول : مَن كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه
[15] وأمر فنُصبت خيمة لعليّ ، وأخذ الناس يبايعونه أفواجاً .
نعم ، الآن اكتمل الدين بولاية عليّ(عليه السلام) ، وقد أوضحت هذه الآية القرآنية هذا المعني : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )
[16] وأخيراً استبشر النبيّ لأداء وظيفته الربّانية وتبليغ جميع دساتير وأحكام الإسلام إلى الناس .