اليوم يوم الاثنين، وقد مضى ثمانية وعشرون يوماً من صفر .
رأس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزال في حِجْر عليّ(عليه السلام) ، يُفيق تارةً ويُغمى عليه أُخرى .
أخذ سمّ تلك المرأة اليهودية من بدنه مأخذَه ، فلا أمل من شفائه .
نعم ، النبيّ يقترب رويداً رويداً من نيل أُمنيّته في الشهادة .
ويتيقّن الناس أنّ هذه هي الساعاتُ الأخيرة من عمره الشريف .
عزيزي القارئ ، ها هو نبيّك الآن يريد أن يكلّم عليّاً بشأنك !
اصبرْ علَيَّ قليلاً ولا تتعجّب .
ألستَ من شيعة عليّ ؟ إذاً يحقّ لك أن تسمع هذا الكلام ، وبعدها تعجّب أو لا تتعجّب .
ـ يا عليّ ، إنّ شيعتك وأنصارك موعدي وموعدهم الحوض يوم القيامة ، إذا جاءت الأُممُ على رُكَبها وبدا لله في عَرضِ خَلقْه ، فيدعوك وشيعتك فتجيؤوني غُرّاً محجَّلين، شِباعاً مَرويّين .
وأمّا أعداؤك يا عليّ، فإنّهم يجوزون يوم القيامة ظِماءً مُظْمَئين، أشقياءَ معذّبين، مُسودّةً وجوههم
[97] انظر ، الآن تدخل فاطمة(عليها السلام) مع مجموعة من نساء المدينة ومعها الحسن والحسين(عليهما السلام) حجرةَ النبيّ .
يتوجّه الحسن والحسين نحو جدّهما فيُلقيانِ بنفسيهما عليه يحتضنانه ويبكيان .
ينهض عليّ يريد رفعهما عنه ; وذلك لشدّة حاله .
ولكنّ النبيّ الذي كان غارقاً في شمّ وتقبيل ولدَيه الحسنين، يطلب من عليّ أن يتركهما .
ـ يا عليّ، دَعْني أشمَّهما ويشمّاني ، وأتزوّد منهما ويتزوّدان منّي ، أما إنّهما سيُظلَمان بعدي ويُقتلان ظلماً ، اللّهمّ إنّي أستودُعكهما وصالحَ المؤمنين
[98] وتمضي اللحظات ثقيلة عصيبة رهيبة.
فاطمة جالسة قرب النبيّ .
انظر ، يأخذ النبيّ بيده يد فاطمة اليمنى ويضعها على صدره ، ويأخذ بيده الأُخرى يد عليّ .
يريد أن يتكلّم ، ولكن يمنعه البكاء ، فلا يستطيع الكلام .
ولمّا رأت فاطمة بكاء أبيها بكت وهي تقول : يارسول الله، لقد أحرقتَ قلبي ببكائك .
قارئي العزيز .
يا تُرى ماذا كان يريد أن يقول نبيّك حتّى منعه البكاء ؟
انظر ، لا تزال يدا النبيّ تقبضان على يَدَي فاطمة وعليّ .
وأخيراً يضع يدَ فاطمة بيد عليّ ويقول : يا عليّ، هذه وديعةُ الله ووديعة رسوله عندك، فاحفَظْها . يا عليّ، هذه واللهِ سيّدةُ نساء أهل الجنّة ، هذه واللهِ مريمُ الكبرى
[99] ثمّ ضمّ الحسنَ والحسين وفاطمة وعليّاً إليه، ورفع يديه الضعيفتين نحو السماء وأخذ يقول : اللّهمّ إنّي لهم ولمَن شايَعَهم سِلْم ، وعدوٌّ وحربٌ لِمَن عاداهم وظلمهم .
ويلتفت نحو فاطمة ويقول : يا فاطمة ، لا أرضى حتّى تَرضَي
[100]