اليوم هو يوم الجمعة ، والناس يتوافدون نحو المسجد ، والكلّ يحدّث نفسه : هل سيجيء النبيّ إلى المسجد ؟ هل سيسمعون خطبته ؟
يشتدّ المرض على النبيّ ، وتزداد عليه الحمّى فتثقله ، ويأخذ السمّ مأخذه من بدنه الشريف ، فيصفرّ له لونه
[63] ولكن كلّ هذا لم يمنعه أن يُلقي على أُمّته آخر خطبة له في هذه الحياة الدنيا، لتكون خطبةَ وصيّة ووداع وفراق .
يطلب من المقرّبين إليه نَزْحَ سبع قِرَب من ماء بئر .
يتمّ تحضير قرب الماء السبعة ، فيأمر بسكب الماء على بدنه حتّى تخفّ عنه بعض الحمّى
[64] وفعلاً تخفّ الحمّى عن بدن النبي قليلاً ، يطلب منديلاً ليُعصِّب به رأسه .
ثمّ يأمر عليّاً(عليه السلام) والفضل بن العبّاس فأسنداه من ذراعيه فهَمّ بالخروج إلى المسجد .
فيما الناس ينتظرون في المسجد ، وإذا بهم يرون شخص النبيّ على عتبة باب المسجد في حال من الضعف، بحيث إنّ رجليه كانتا تخطّان الأرض خطّاً .
بكى الجميع لهذا المشهد، والقلوب تتوجّس أنّ الحال يُؤذِن بالرحيل !
يصعد النبيّ المنبر فيقول : إنّ عبداً من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبدُ ما عند الله
[65] يدرك الجميع أنّ هذا العبد هو شخص النبيّ الذي كان ينعى لهم نفسه ، ما أسرع ما سيلقى ربّه .
ترتفع أصوات الناس بالبكاء والنحيب .
فيعقّب النبيّ : يُوشِك أن أُدعى فأُجيب ، وأن لا أحد بخالد في هذه الدنيا ، وكلٌّ ذائق الموت .
أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم الثقلين .
ويسكت مليّاً ، وكانوا ينتظرون أن يتمّ النبيّ كلامه .
يقوم رجل من بين الناس ويقول : يا رسول الله ، ما هذان الثقلان ؟
فيجيب النبي قائلاً : ألا إنّي تارك فيكم القرآنَ وعترتي أهلَ بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يَردِا علَيَّ الحوض ، فانظروا كيف تَخْلِفوني فيهما .
وكلّكم تعلمون أنّي انتخبت عليَّ بن أبي طالب خليفةً من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوه ، ولا تعادوه ، فمن عاداه فقد عادى الله ، ولا ترتدّوا مِن بَعدي على أعقابكم .
عليٌّ أخي ووارثي وخليفتي ، وهو أوّل الناس إيماناً بي .
عليٌّ نورُ هدايتكم ، وهو حبل الله المتين ، فتمسّكوا به ولا تتفرّقوا عنه .
نعم ، لقد أبان النبيّ للناس كل ما في قلبه ، فسمع الناس مرّةً أُخرى من فم نبيّهم فضائل عليّ ومقام عليّ
[66]