يدور الخبر في المدينة أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يريد لقاء الأنصار .
أظنّك تتساءل: مَن هم الأنصار .
لمّا اشتدّ أذى مشركي مكّة للمسلمين وتعذيبهم ، طلب أهل المدينة من النبيّ أن يَقْدم عليهم .
فجاء النبيّ إلى المدينة ، فأضحى أهلها له خير أعوان وأنصار ، ودافعوا عنه بأنفسهم وأموالهم ، فسُمُّوا لذلك بالأنصار .
في تلك الظروف أخذ أهل مكّة يهاجرون إلى المدينة أفواجاً أفواجاً ، فسُمّوا بالمهاجرين .
اليوم يطلب النبيّ لقاء الأنصار .
انظر ، تغصّ حجرة النبيّ بكبار الأنصار ، فيما يقف آخرون خارجها .
يريد النبيّ أن يحدّثهم ، كانوا يعرفون أنّ هذه هي أيّامه الأخيرة ، ولربّما لن يَرَوه بعدها .
استمع .
ـ يا أهل المدينة ، أيّها الأنصار ، قد حان الفراق ، وقد دُعِيتُ وأنا مجيب ، لم تقصّروا معي في كلّ شيء ، جزاكمُ الله بما فعلتم الجزاءَ الأوفى ، وقد بَقِيَت لي وصيّة أخيرة هي تمام الأمر .
يسأل الأنصار : ما هي يا رسول الله هذه الوصيّة ؟ بيِّنْها لنا فنفديك بمالنا وأنفسنا كما فعلنا ، فقد أنقَذَنا الله بك من الهَلَكة ، وكنتَ بنا رؤوفاً رحيماً .
فيقول النبيّ معقّباً : أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يَردِا علَيَّ الحوض ، وضلّ مَن تمسّك بأحدهما دون الآخر .
يتأمّل الجميع في كلام النبيّ ، كأنّه يريد أن يردّ نظرية عمر ورأيه المتطاول على حرمة النبوّة والوحي والرسالة .
أمس في هذه الحجرة صرخ عمر : يكفينا القرآن ! واليوم يريد النبيّ أن يوضّح للناس أنّ القرآن وحده لا يكفي لهداية المجتمع .
استمع إلى هذا الكلام جيّداً :
ـ أيّها الناس، إنّي تارك فيكم القرآن وأهل بيتي ، مَن تمسّك بأحدهما دون الآخر لا يتقبّل الله منه عملاً .
العمل الصالح طاعة الإمام وليِّ الأمر والتمسّك بحبله .
أيّها الناس، أفَهِمتُم ؟
الله الله في أهل بيتي ، فَهُم مصابيح الظُّلَم ، ومعادن العلم .
ألا إنّ باب ابنتي فاطمة بابي ، وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله
[67] كان الأنصار الذين يستمعون إلى هذا الخطاب يعلمون ماذا يعني النبيّ بهذا الكلمات ، وإلى مَن ينوّه وإلى ماذا .
وكانوا يعلمون مدى تعلّق النبيّ بابنته فاطمة .
ولكنّهم كانوا متعجّبين لماذا كلّ هذا التأكيد على حفظ حرمة بيت فاطمة ؟ !
يا تُرى هل من خطر قادم يهدّد هذا البيت ؟
وأيّ مسلم لا يحفظ حرمة بيت لا ينزل فيه جبرئيل بدون إذن أهله ؟