ما أشدّ اضطراب السقيفة بأهلها ! اتّفق الأنصار جميعاً على مبايعة سعد .
التفّوا حوله يردّدون الهتافات ، حسب الظاهر لا يوجد مَن يخالف سعداً في الخلافة . وكان سعد فرحاً مسروراً ، كيف لا وهو لا تفصله والحكومة على أرض الحجاز سوى بضعة أقدام .
وبالأثناء يصل أبو بكر وعمر وأصحابهما ، تصيبهم الدهشة من رؤية هذا التجمّع الغفير .
يتقدّم أبو بكر إلى الأمام ، وكان أسنّهم ، وهو كبير المهاجرين .
يلتفت نحو الناس قائلاً : يا أهل المدينة ! أنتم أنصار دين الله ، ولا أحد أحبَّ إلينا منكم ، أنتم إخواننا في الدين .
ولكن ، ألم تعلموا أنّا أوّل الناس إيماناً بالنبي ؟
ألم تعلموا أنّا أقرب الناس إليه ؟
تعالَوا بايعونا على الخلافة ، ونعدكم أنّا لا نقضي شيئاً دون مشورتكم
[21] نصرنا النبيّ في السنين الاُولى الصعبة من بعثته .
يبدو أنّهم قد اقتنعوا بدعاوى أبي بكر ، فسكت الجميع ، نعم ، يجب أن يخلف النبيَّ مَن آمن به أوّلاً ومَن كان أقرب الناس إليه ، فهكذا شخص خليق به أن يخلف النبيّ .
يا تُرى ، مَن كان يعني أبو بكر بكلامه هذا ؟
رفيقي العزيز ! انظر ، سكت الناس جميعاً ، وأعطَوا الحقّ لأبي بكر .
حقّاً ، كان أبو بكر ماهراً في جرّ النار إلى قرصه !
نعم ، بعد خطاب أبي بكر انكسر سعد وأصحابه ، ولم يعد أحد يأبه بهم .
أهل المدينة يعرفون أنّ هؤلاء جميعاً قد آمنوا بالنبيّ قبل عقد من الزمن ، ولكنّ المهاجرين آمنوا به منذ اليوم الأوّل من بعثته .
أحسنت يا أبا بكر ، ما أحسن ما قلت وذكرت من الأدلّة ، أنت أخمدت نار الخلاف !
ولكن عندي لك سؤال :
أنت ولأجل التغلّب على الأنصار ذكرت دليلين :
الأوّل : أسبقية المهاجرين على الأنصار بالإيمان بالنبيّ .
ثانياً : قرابتهم من النبيّ .
يا أبا بكر !
بهذين الدليلين اللَّذَين استندت عليهما ، عليٌّ أولاكم جميعاً بالخلافة .
هل فيكم من ينكر أنّ عليّاً هو أوّل الناس إيماناً بالنبيّ ؟
وإذا كانت الخلافة لا تتمّ إلاّ بالقرابة ، فعليّ ابن عمّه ، مَن منكم ـ أنتم المهاجرين ـ ابن عمّ للنبيّ غير عليّ ؟
ألم يؤاخِ النبيّ عليّاً ؟
يا أبا بكر ! ألم يكرّر النبيّ قوله لكم : "عليّ أخي في الدنيا والآخرة" ؟
[22] أُقسم بالله ، اليوم فهمت لماذا النبيّ كان يكرّر عليكم هذه الجملة !
كان يعلم أنّكم ستجتمعون يوماً ما في هذا المكان ، وتستندون لنيل منصب الخلافة بهاتينِ الذريعتين!
رفيقي في هذا السفر ! الآن وقد أطفأ أبو بكر نار الخلاف ، هل سيدعو الناس إلى بيعة عليّ على الخلافة ؟
وحتّى لو أغضضنا الطرف عن يوم الغدير ، الآن وبالاستناد إلى خطاب أبي بكر ثبت حقّ عليّ بالخلافة !
ولكن كلّما أمعنتُ النظر في وجه أبي بكر ، رأيت شيئاً آخر يدور في رأسه .
أراك تتساءل: ماذا يخطّط له أبو بكر؟ !
تعالَ معي.