يقبل بعض الجار نحو عليٍّ يحدّثونه :
ـ أنت تعلم مكانة فاطمة عندنا ، ولكن نحن بحاجة إلى الهدوء والراحة .
ـ ماذا تريدون ؟
ـ تعلم أنّ فاطمة عزيزة علينا ، ولكنّها تبكي الليل والنهار ، فلا أحد منّا يهنأ بالنوم، لا في الليل لنا قرار على فراشنا ولا في النهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنّا نخبرك أن تسألها، إمّا أن تبكي ليلاً أو نهاراً !
ـ حبّاً وكرامةً
[203] يجلس علي في بيته جانباً يفكّر مع نفسه كيف يوصل كلام الجيران لفاطمة .
تنظر إليه فاطمة وتفهم ما يعتلج بداخله وأنّ عنده كلاماً يريد أن يبوحه ، ولكنّه يخجل عن البوح به .
ـ يا علي ، هل عندك شيء تريد أن تكلّمني به ؟
ـ يا بنت رسول الله، إنّ شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك : إمّا تبكين أباك ليلاً وإمّا نهاراً.
ـ يا أبا الحسن، ما أقلَّ مكثي بينهم، وما أقربَ مَغيبي من بين أظهرُهم
[204] نعم ، هكذا منعوا فاطمة حتّى من البكاء ، يجب أن لا تذهب بعد ذلك إلى قبر أبيها للبكاء .
إنّ صوت بكائها يؤذي الناس .
فتخرج من أوّل الصبح من بيتها ، إلى أين تذهب مع ما بها من مرض ؟
انظر ، إنّها تذهب إلى مقبرة البقيع .. فقد بنى لها عليٌّ بيتاً يُسمّى "بيت الأحزان"، فكانت إذا أصبحت قدّمت الحسن والحسين أمامها، تجلس في زاوية من المقبرة وتأخذ بالبكاء .
وكانت كلّما أحرقتها أشعة شمس المدينة الساخنة أخذت ظِلاًّ وجلست تحته .
وكانت هناك شجرة صغيرة تستظلّ بظلّها وتأخذ بالبكاء .
تُشرف الشمس على المغيب ، يأتي عليّ إليها فيُرجعها إلى البيت
[205]