يلتفت عمر نحو عليّ ويقول : أنت لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كرهاً
[144] فيقول له عليّ : احلب حلباً لك شطره ، اشدد له اليوم لَيُردَّ عليك غداً
[145] ثمّ يلتفت إلى الجموع قائلاً : أما والله، لو أنّ أُولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفَوا لي، لجاهدتكم في الله
[146] وفي الأثناء يقوم أحدهم من بين الحضّار فيقترب من عليّ قائلاً : يا عليّ ، لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك للإسلام ، ولكنّك حَدِث السنّ ! انظر إلى أبي بكر وإلى هؤلاء، فإنّهم مشيخة قومك ، وليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّمْ لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء ، فأنت لهذا الأمر خليق، وبه حقيق، لِفضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك .
[147] نعم ، المشكلة تكمن في أنّ عليّاً لا زال شاباً غير مسنّ ولم تبيضَّ لحيته بعد !
هذا الكلام يكشف أشياء كثيرة في التاريخ ، فها هي سنن وعادات الجاهلية تُبعَت ، حيث كان العرب لا يقبلون إلاّ رئاسة الشيبة والمسنّين ، ولا يتحمّلون أن يحكمهم من كان شابّاً صغير السنّ .
واليوم عُمْر مولاك عليّ لا يتجاوز الثلاث والثلاثين سنة ، صحيح أنّه يملك كلّ مواصفات الكمال ومنصوصٌ عليه بالإمامة والخلافة كتاباً وسُنّةً ، ولكن عند هؤلاء الناس لا يساوي شيئاً مقابل قبضة لحية بيضاء ! فعند هؤلاء ليس للفضائل قيمة كقيمة لحية بيضاء !
والبعض كان يرى أنّ الخليفة هو من تتوفّر فيه صفات العبوسة والجدّية ، حتّى يخافه الناس ، بينما عليّ كان ذا بِشْر ، لذا لا يصلح عند هؤلاء للخلافة
[148] لا تلمني عزيزي القارئ إذا ما ضحكت، فشرّ البلية ما يُضحك!