ـ أيّها الكاتب ! انهض ، كم تنام ؟ ها هو أذان الصباح يصدع في الآفاق.
ـ إنّي جدُّ تَعِب ، لم أنم ليلة أمس، كنت منشغلاً بالكتابة .
ـ يجب أن نذهب إلى المسجد ، هل نسيت أنّ خالداً ينوي قتل مولانا ؟
ـ يا إلهي ! نسيتُ تماماً .
نتحرّك نحو المسجد .
ولكن يبدو أنّا قد وصلنا متأخّرين قليلاً ، فقد قاربت الصلاة من الانتهاء ، يقف خالد قرب علي في الصف الأوّل ، لا نستطيع فعل شيء .
وأظنّك تعلم أنّ عليّاً ملزم على حضور صلاة جماعة الناس هؤلاء .
يجلس أبو بكر للتشهّد والتسليم ، وهذا وقت نطقه بالتسليم !
ولكن ، ما باله سكت ؟!
لا يدري ماذا ينبغي له أن يفعل !
هل يسلّم أم لا ؟ إذا ما سلّم فسوف يشهر خالدٌ سيفه !
كان أبو بكر يعلم بشجاعة علي ، وأنّ خالداً لا يمكنه تنفيذ هذه المهمّة الخطيرة .
فكان يحدّث نفسه في تشهّده : ماذا أفعل الآن ؟ ماذا دهاني فسمعتُ كلام عمر ؟!
تنصرم الثواني سريعة وأبو بكر ساكت لا يسلّم ، لا يفهم الناس ماذا يجري ، وهم يتساءلون : لماذا لا يسلّم أبو بكر ؟!
يصفرّ وجه أبي بكر ، وفجأةً يقرّر .
يقول قبل أن يسلّم : يا خالد! لا تفعلنّ ما أمرتك ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته !!
يتعجّب الجميع ، أيّ صلاة هذه ؟ ماذا عنى الخليفة بهذا الكلام ؟
نعم ، هذه صلاة الخليفة ، يمكنك قبل التسليم البوح بمكنون قلبك !
فيقوم علي من مكانه ملتفتاً نحو خالد :
ـ يا خالد ، ماالذي أمرك به ؟
ـ أمرني بضرب عنقك .
ـ أوَ كنتَ فاعلاً ؟
ـ أي والله ، ولولا أنّه قال لي: لا تقتله قبل التسليم لقتلتك !
يأخذ علي بتلابيبه ويطرحه أرضاً ثم يأخذ بالظغط على حلقومه .
يستنجد خالد بالناس تخليصه من علي ورجلاه تضربان بالأرض فلا يجرؤ أحد، فمن يتجرّأ على الاقتراب من علي ؟
ماذا على أبي بكر أن يفعل ؟
سوف يُقتَل خالد ، وما أحوجنا إليه ، فهو سيف حكومتنا !
يجب إنقاذه بأية وسيلة .
يتوجّه عمر نحو العبّاس عمّ النبيّ يطلب منه أن يتوسّط عند علي ليُخلّي عن خالد .
يتقدّم العبّاس وينظر إلى علي، فيشير بيده إلى قبر النبيّ ويقول : يابن أخي، أُقسم عليك بحقّ صاحب هذا القبر لمّا خلّيتَ عن خالد .
يتذكّر علي وصيّة النبيّ .
لكأنّه ينظر إلى النبيّ وهو يقول له : حبيبي عليّ، اصبر مِن بعدي على جميع ما يجري عليك من مصائب وبلايا .
فيرفع عليٌّ يده عن رقبة خالد ، فيقفز خالد هارباً لا يلوي على شيء سوى الهروب من علي .
انظر ، يتقدّم العبّاس نحو علي فيضمّه إلى صدره ويقبّله في جبهته ويأخذ بالبكاء
[182]