يخبر عليٌّ أبا بكر أنّه يمكنه المجيء إلى بيته .
انظر ، يدخل أبو بكر وعمر بيت علي .
تردّ فاطمة جواب سلامهما ضعيفاً ، ولكنّها معرضة بوجهَها عنهما إلى الحائط
[212] ينظر عمر نحو أبي بكر فيطلب منه التكلّم.
يقول أبو بكر :
ـ يا حبيبة رسول الله ، والله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إليَّ من قرابتي، وإنّك لأحبّ إليَّ من عائشة ابنتي
[213] فلا تجيب فاطمة . فينهضان .
ياترى إلى أين يذهبان ؟
لا يذهبان إلى مكان ، إنّما قاما ليجلسا قبالة فاطمة .
فتعرض بوجهها أيضاً عنهما!
فيعقّب أبو بكر : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلاّ ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت
[214] ياترى هل يقول أبو بكر الصدق ؟ لو كان حقّاً يُكنّ لهم كلّ هذا الاحترام الذي أبداه الآن فَلِم أمر بالهجوم على هذا البيت وأهله ؟
فتقول فاطمة وهي لا زالت معرضةً عنهما ساخطةً عليهما : وهل راعيتَ لنا حرمة حتّى أرضى عنك ؟!
[215] فينكّس أبو بكر رأسه إلى الأرض ، فليس له مِن جواب يقوله .
والآن حان الوقت لكي تسألهما فاطمة :
ـ ماذا أردتما بمجيئكما هذا ؟
ـ جئنا نعترف بخطئنا ونطلب رضاكِ .
ـ نشدتكما بالله، هل سمعتما رسول الله يقول: فاطمة بضعه منّي وأنا منها ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ؟
ـ اللّهمّ نعم ، قد سمعناه من النبيّ .
ـ الحمد لله .
انظر ، ترفع فاطمة يَدَيها الضعيفتين إلى السماء وتقول : اللّهمّ أُشهدك، فاشهدوا يا من حضرني أنّهما قد آذياني
[216] ثمّ تقول : لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتّى ألقى أبي رسولَ الله وأُخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما
[217] فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور، وقال: أنا عائذٌ بالله من سخطه وسخطكِ يا فاطمة ، ليت أُمّي لم تلدني ولم أرَ مثل هذا اليوم !
فيقول له عمر غاضباً : عجباً للناس كيف ولَّوك أُمورهم ! وأنت شيخ قد خَرِفت ، تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها ؟ وما لمن أغضب امرأةً !
[218] ينصاع أبو بكر لزجر عمر فيتمالك نفسه قليلاً .
تسمع فاطمة كلمات عمر فتقول له : والله لأدعُونّ اللهَ عليك في كلّ صلاة أُصلّيها
[219] فينتحب أبو بكر باكياً حتّى تكاد نفسه أن تزهق .
وأخيراً ينهضان خارجين من بيت فاطمة .
يجلس علي بقرب فاطمة ، كانت مسرورة أنّها لقّنت الغاصب درساً هو حُجّة عليه .
ثمّ تنظر إلى علي فتقول :
ـ يا علي، قد صنعتُ ما أردَت ؟
ـ نعم .
ـ فهل أنت صانع ما آمرك ؟
ـ نعم يا قرّة عيني .
ـ فإنّي أُنشدك الله أن لا يصلّيا على جنازتي، ولا يقوما على قبري
[220] نعم ، كانت فاطمة تريد أن تترك رسالة مهمّة بيد التاريخ .
كلّ من يقرأ التاريخ سوف يتساءل لماذا لم يصلّي الخليفة على جسد وحيدة النبيّ ؟